◄إنّ المحقّق لذاته يتوافق مع ثقافته وثقافة مجتمعه بطُرق عديدة؛ ولكنّه يحتفظ بدرجة من التفكك في بعض الحالات، التي لا تتوافق مع ثقافته وقناعاته؛ ولكن بشكل متوازن.
فلو نشأ شابٌّ في أُسرة تتعامل وفقاً لأعراف وعادات وثقافة أُسرية واجتماعية موروثة من الأجداد، أو من البيئة وثقافتها وعاداتها وتقاليدها، وذلك بالتدخل الدائم في حياة أبنائهم ويمارسون عليهم ضغطاً لا مسوِّغ له، ومصادرة كلّ آرائهم، فيكونون في النهاية رهن الإشارة فقط وبدون وعي، وهذا كلّه نابع من اعتقاد الآباء أنّه حبٌّ وحرص عليهم لمحاولة معايشتهم لقلة تجربتهم، كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (الكهف/ 104).
وعندما يتجاوز هذا الشاب مرحلة الوصايا، ويزداد وعياً وثقافة، ويميز ما هو سليم وما هو إيجابي، وما الذي يبني شخصية الإنسان ويصقلها ويُقوِّيها، وما يضعفها ويمدّ من خبراتها، فإنّه عندما يتزوَّج وينجب يأخذ منحىً تربوياً مختلفاً، فيه توازن بين الرفق واللين والمزاح وإعطاء مساحة من الحرّية لأبنائه، يجد من حوله الذين يحملون نفس ثقافة الماضي يستهجنون أسلوبه التربوي المفسد لأبنائه في نظرهم، ويعتبرونه خروجاً على الأعراف.
ومع ذلك، يظل ثابتاً على قناعاته بتوازن وبدون تصادم مع ثقافة الآباء والأجداد من عادات وتقاليد إيجابية، وبالتالي موقفه ينطلق من الآية الكريمة التي أشار إليها الله تعالى بقوله: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ) (الزمر/ 17).
إذاً، يجب علينا أن نحافظ على الثوابت والقيم الدينية والأخلاقية والإنسانية، مع مراعاة المرونة في المتغيرات في كلِّ زمان ومكان، يقول الإمام عليّ (ع): «لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم».
وأخيراً..
هذه بعض صفات الذين حقّقوا ذواتهم؛ ولكنّ هناك مَن يتّصف ببعضها أو أكثرها.. ولحُسن الحظّ، فإنّ كلّ الناس يملكون فُرصاً لمثل هذه الصفات عن طريق الخبرة ومحاولة التطوير بالمعرفة والفهم والوعي والرغبة والإرادة، يقول الإمام عليّ (ع): «غير مدرك الدرجات مَن أطاع العادات» (أي العادات السلبية)، ويقول (ع): «غيِّروا العادات تسهل عليكم الطاعات»، وكذلك ثقافة السماء تؤكِّد ذلك في قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرَّعد/ 11).►
المصدر: كتاب تعلّم فنون التواصل وإدارة الضغوط
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق